تحت ظلال جامع الكتبية 553 هــ
ل: يوسف غاندي، باحث في التاريخ، والتصوف، والتراث
تعد مدينة مراكش من المدن المغربية التي قامت وما تزال بأدوار تاريخية وثقافية مهمة في نشر الإشعاع الفكري والثقافي على الصعيدين العربي والإسلامي، بما تحتوي عليه من معالم عريقة في القدم كجامع ابن يوسف وجامع الكتبيين ففي قلب مدينة مراكش العتيقة، وعلى مساحة تقدر ب 13 هكتارا تنتصب معلمة الكتبيين ببنائها ذي التصميم الأصيل صرحا إسلاميا شامخا وشاهدا صادقا على رسوخ الوجود الإسلامي بهذه الجهة من العالم العربي والإسلامي.ه
وإذا كان مسجد الكتبية لم يفقد شيئا من طابعه المتميز بالعراقة الحضارية المتشبعة بروح الحضارة الإسلامية والذي يأب ببصماته إلى العهد الموحدي، فهو رصيد ثمين للقيم الروحية المتبلور في مختلف تصاميمها الهندسية ويروي المؤرخون أن هذا المسجد كان في الأصل جامعا بناه المرابطون، وظل على حاله إلى مجيء الموحدين للحكم، الذين عملوا على بناء الكتبية على أنقاضه، وقد تم الشروع في بنائه زمن تولية عبد المومن بن علي سنة 543هـ تقريبا ولم يكتب له أن يشيد إلا في سنة 553هـ، وقد كمل في السنة نفسها١.ه

يشتمل مسجد الكتبية حاليا على صحن كبير تتوسطه نافورة خاصة بالوضوء مصنوعة من الرخام الأبيض الثمين، وتزين الصحن كذلك أشجار من صنوف الليمون. كما يحتوي على سبعة أساكيب ترتفع فوق كل منها قبة وتتجه خمسة من بلاطاته صوب المحراب في تصميم متسع بالنسبة لباقي البلاطات، وتبدو البساطة في هيئة محرابه، ولكن العقود والقباب تعمها المقرصنات الجبصية التي تعد أهم ما تفرد به المعمار الموحدي، إضافة إلى توفر الكتبية على ثمانية أبواب، أربعة منها مفتوحة على جهة الشرق والأربعة الأخرى موالية جهة الجنوب الغربي.ه
وعن مقصورتها الأولى يخبرنا كل من صاحب الحلل الموشية٢ ونفح الطيب٣، إن الأمير عبد المؤمن بن علي كانت له مقصورة متحركة بطريقة أوتوماتيكية « هندسية » ترفع بها لخروجه وتخفض لدخوله، ويوجد بجوار المحراب باب بداخله المنبر كما أن لديه سردابا يتصل بقصره في هيئة بساطات يدخل منه المسجد دون أن يحس به أحد.ه
ويضيف صاحب نفح الطيب أن المقصورة القديمة قد صنعت من الخشب على ستة أضلاع وكانت تسع أزيد من ألف مصل، وكانت تختفي بعد الصلاة مباشرة٤.ه
ويقول فيها أبو بكر ابن مجبر الفهري في قصيدة طويلة له٥:خ
طورا تكون بمن حوته محيطه *** فكـــــــــــــأنها سور من الأســوار
وتكون طورا عنهم مخبوءة *** فكــــــــــأنها سر من الأســرار
وكأنها علمت مقادير الورى *** فتـــــــــصرفت لهم على مقدار
فإذا أحست بالأمير يزورها *** في قومـــــه قامت إلى الزوار
يبدو فتبدو ثم تخفى بعده *** فتــــكون كالهالات للأقمار
المنبر: تمّ صنعه بالأندلس وتم نقله إلى مراكش: فهو مصنوع من عود الصندل الأحمر والأصفر وصفائحه من الذهب والفضة، إضافة إلى أنه كان يتحرك بطريقة ميكانيكية.ه
المنارة: فيما يرجع لبناء المنارة « الصومعة » نفسها فهي من تشييد المنصور سنة 593هــ، كما قيل أن منارة الكتبية كان قد بناها عبد المومن ثم هدمها المنصور وأقام منارة أخرى لأن الأولى كانت منحرفة. وكانت هذه المنارة سلفا تتوسط الجامع ولكن المرينيين هدموا جانبا منه بحجة أنه كان ملجأ للصوص.ه
أما وصف جماليتها فتظهر في أعلاها المزين بفسيفساء خضراء تحتفظ بلمعانها وشكلها الأخاذ وقد أعيد ترميمه من جديد، كما يبلغ كل ضلع من الصومعة 12.50 مترا وعلوم 67.50 مترا.ه
التسمية: أخذ اسم الكتبية من النشاط الذي كان يقام بها والمشتمل عموما حسب ما هو متداول عند العام والخاص على رواج بيع الكتب بجانب المسجد ويمكن القول بما أن المسجد هو جامع أفلا يمكننا أن نفترض وجود مدرسة علمية بهذه الساحة المجاورة له؟ هذه إطلالة مختصرة عن هذه المعلمة الدينية التي تستحق أكثر من وقفة في ذاكرتها التي تختزن جواني تاريخية مهمة من تاريخ الحضارة المغربية بهذه المدينة العريقة مراكش.ه
١- المقري: نفح الطيب الجزء 2 ص145، تحقيق إحسان عباس.ه
٢- انظر الحلل الموشية تحقيق سهيل زكار وعبد القادر زمامة ص119.ه
٣- نفح الطيب ج4، ص222.ه
٤- يحكي المقري أنه شاهد آثار 5/5 المقصورة سنة 1010 هــ.ه
٥ – انظر الحلل الموشية ص 145.ه